ما عقمت مصر أبدا

محمد الوليدي

ما تخيلت أن يذهب البعض بلعن شعب مصر بسبب مواقف النظام المصري مؤخرا، بل ذهب منهم لمقولة قديمة منسوبة لعمرو بن العاص تذم أهل مصر، وهي مقولة لا يمكن أن تخرج من مسلم، فكيف بصحابي جليل كعمرو بن العاص.

لكن ما تواتر وصح أن مصريا سار من مصر إلى المدينة أياما من أجل كرامته.

شعب مصر أنجب للأمة أعلاما ذهبوا في كل منحى وسطع نجمهم عاليا، وما كان همهم سوى رفعة هذه الأمة وعزتها.

من مصر، خرج "أحمد عبد العزيز"، لو لم نكن في زمن الظلم هذا، لوجدت اسمه اقترن بعظام العسكريين، كخالد بن الوليد رضي الله عنه، وصلاح الدين الأيوبي، وعمر المختار، كان معلما للفنون العسكرية في إحدى الكليات الحربية، لكنه بعد قرار تقسيم فلسطين، قرر أن يحول دروسه النظرية إلى عمل، فدخل فلسطين وزلزل الأرض تحت أقدام الصهاينة، اتهمه البعض بالتهور والمغامرة، وكان رده الدائم: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وعندما تبين للقيادة السياسية في مصر مدى خطورته حاولت إعادته بسبب "تخطيه الحدود وتجاوزه الأوامر" وعندما رفض قطعت عنه الإمدادات والسلاح، فأنقض على الصهاينة وأخذ سلاحهم وقاتلهم به، سار هو ورجاله من النقب إلى غزة إلى القدس كسيل جارف،يحرر ويمكن، وعلى مشارف القدس حفر خناق رجاله في الصخر، ليصبح العسكري العربي الوحيد في حرب 1948 الذي طبق الصهاينة في المستعمرات أوامره من غير نقاش بعد أن رأوا أفعاله في المستعمرات الأخرى، قدمت فيه الشكاوى من قبل موشي ديان والقادة الصهاينة، منها"إن العرب تحارب بجدية!" كما شكاه بعض قادة الجيوش العربية، والذي اتهمهم بالخيانة عامة، ومن قرب القدس، وفي أوج انتصاراته أخذه جيب عسكري يقوده صلاح سالم "من أجل مقابلة الملك فاروق لأمر خطير!" وكان سائق الجيب يجلس في الخلف، وعندما دخل الجيب الكتيبة السادسة في عراق المنشية انطلقت رصاصة على رأسه من الخلف، أستشهد على أثرها، لتغدق المناصب الرفيعة على صلاح سالم بعد ذلك، والذي سلم وهو من على شاكلته ما حرره هذا البطل.

من مصر، جموع المجاهدين التي قطعت سيناء مشيا على الأقدام، وما تاهوا، كي يدافعوا عن فلسطين، منهم الصبي الذي أخذ يسأل عن معسكر التدريب وهو الذي لم يجف عرقه بعد.

من مصر، ضابط الأمن الذي أعطته حكومة النقراشي معلومات مغلوطة من أجل مصادرة شحنة سلاح كان قد جمعها عبد القادر الحسيني من مصر، لكن الضابط عندما التقاه وعرف منه الحقيقة،أمر كل النقاط بعدم اعتراض الشحنة وتسهيل مهمتها، وما اكتفى بذلك بل قدم بعض قطع السلاح لعبد القادر الحسيني، ولهذا هذا الضابط قال عبد القادر: إنه من أجل القدس التي ليس لي فيها أكثر مما لك فيها".

من مصر عمال حلوان الذين أغلقوا بوابات مصنع الحديد بأجسادهم، عندما علموا أن الرئيس الصهيوني "اسحاق نافون" سيزوره، وما دخله إلا اغتصابا بعد أن اقتحمته مجنزرات الأمن، حتى عندما أجبر البعض على استقبال السادات وضيفه، أخذ يسأل هذا الصهيوني مضيفه: ألا يعرفون العربية سيدي الرئيس، أحدثهم ولا يجيبون.

من مصر سليمان خاطر، هذا الحر الأبي، الذي جندل سبعة من الصهاينة عندما تجاوزوا أوامره بكل عنجهية عندما دخلوا منطقة محظور الدخول إليها، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن لمدة خمس وعشرين عاما مع الأشغال الشاقة، فقال في المحكمة: لا يخيفني لا السجن ولا الموت، ولكني أخاف أن يؤثر هذا الحكم على وطنية زملائي.

وما كان هذا الحكم ليشفي غليل الصهاينة فأعدم في اليوم التاسع من سجنه، ليذاع في اليوم التالي أنه انتحر!.

من مصر غيورها محمد أبو تريكة، الذي أجمعت العرب على حبه واحترامه لما بلغ من إنسانية وغيرة وفن.

من مصر نقابة أطبائها، يفتشون عن كل جرح ليداووه.

من مصر كتابها وأدباءها ومفكريها ألذي أبوا إلا أن يقفوا مع الحق،وما خذلوا قضايا أمتهم،وهم أسياد الكلمة وليس طوابير الكتبة الرسميين الذي لا يخلو منهم أي مكان.

في مصر أناس قد لا تسمع صوتهم في زمن الظلم هذا، لا نعرف عنهم و ولا يريدون أن نعرفهم، رموا الدنيا ومتاعها خلفهم، ما أرهبتهم أسواط الجلادين، وما ثناهم عن كلمة الحق محاكمات الظالمين، ولا أخافهم صرير الزنازين.

في مصر أناس، لو شملتهم بلعنتك لارتدت اللعنة عليك لا محالة.. فلا تلعنوا أهل مصر.

[email protected]