رؤية تحليلية.. أم علم بالنوايا؟

زكريا شاهين

لوحظ في الأيام القليلة الماضية، أن العديد من الدول التي دخلت على خط الأزمة اللبنانية المستعصية، قامت بتحذير رعاياها من الاقتراب من لبنان لأسباب أمنية، رغم أن بعضها لم يفعل ذلك عندما كانت الأسباب الأمنية قائمة فعلا.

العربية السعودية تحذر رعاياها من الذهاب إلى لبنان، وكذلك تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، أما فرنسا، فتقوم بإغلاق مركزين ثقافيين فرنسيين إلى إشعار آخر، وهكذا فعلت دول أخرى.

وإذا كان الوضع الأمني بحسب هؤلاء، "تحليليا" يتجه نحو التدهور، فان هذا الوضع، لم يتغير مما كان عليه منذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، إذن، فالواضح هنا، أن هذه الدول، تملك معلومات تقول بأن الأمن اللبناني، في طريقه إلى الانهيار، أو إلى التدهور على اقل تقدير، بشكل يحتم إطلاق تحذيرات من هذا النوع، وهنا تكمن الشبهة بالأمر.

الملفت للنظر هنا، أن هذه التحذيرات، جاءت متزامنة مع رفع سقف العقوبات الأمريكية على سوريا، ومع اقتراب عقد القمة العربية في دمشق، ومع اغتيال المجاهد عماد مغنية احد أهم كوادر "حزب الله" اللبناني، وأيضا، مع تدفق السلاح على بعض الأحزاب اللبنانية وكذلك الأموال، ومع التحضير لعملية عسكرية كبرى ضد قطاع غزة، وإغلاق رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الباب أمام أي احتمال لمفاوضات حقيقية مع سلطة رام الله، بعد إعلانه تأجيل المفاوضات حول القدس، ومباركة الرئيس الأمريكي لهذا التأجيل.

لعل الأبرز في هذه العناوين، ما يتعلق باغتيال مغنية، فقد كتبت إحدى الصحف الصهيونية تقول:

"الأمريكيون، مثل "إسرائيل"، يدعون الجهل بمن صفى مغنية، وهم، مثل إسرائيل، يوجد شك فى أنهم يكذبون" وربما يعرف وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الحقيقة الكاملة، كما يعرفها رؤساء وكالات المخابرات الكبرى.. ويستطيع مناقشتها مع وزير الدفاع "الإسرائيلي" "ايهود باراك" عندما يزور الأخير واشنطن الشهر المقبل".

المؤشر لحقيقة هذا الكلام، لا يحتاج إلى بحث، فالولايات المتحدة الأمريكية، كانت أول الفرحين باغتيال المجاهد مغنية وبشكل رسمي، فيما قيل إن بعض المسؤولين الإسرائيليين، رقصوا فرحا لدى إذاعة النبأ، بالرغم من أن مكتب رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، كان قبل أن يعترف ضمنا بضلوع "إسرائيل" في عملية الاغتيال، قد نفى علاقة "إسرائيل" بها، ليست هنالك أي مبالغة بالقول، إن اغتيال مغنية، كانت له أبعاده الأكبر من اغتيال شخص واحد مهما كان مرعبا للكيان الصهيوني.

في هذا السياق، يرى الباحث الفلسطيني نقولا ناصر: انه "لا يمكن عزل هذه العملية عن تعثر الخطط الأمريكية في محيط إقليمي للنفوذ السوري فيه دور فاعل، انطلاقا من العراق حيث فشلت استراتيجية بوش "الجديدة" التي أعلنها أوائل العام المنصرم لإحكام سيطرة الاحتلال الأمريكي الأمنية بدءا من بغداد بدليل إعلان غيتس خلال زيارته للعاصمة العراقية الأسبوع الماضي عن تأجيل بداية كانت مقررة في تخفيض عديد قوات الاحتلال، ومرورا بفشل مشروع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان بدليل الخلافات الأمريكية الأخيرة مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" حول دور اكبر للحلف هناك، ومرورا بقطاع غزة حيث فتح الاجتياح الجماهيري للحدود مع مصر ثغرات اقتصادية وسياسية وأمنية في الحصار الأمريكي – "الإسرائيلي" المحكم المفروض منذ منتصف العام الماضي، ومرورا بفشل جولة بوش الأخيرة في المنطقة في إنشاء جبهة عربية – "إسرائيلية" بقيادة أميركية طبعا ضد إيران، وصولا إلى انتهاء الجهود الأمريكية لاحتواء النفوذ السوري – الإيراني في لبنان إلى طريق مسدود من خلال الفشل في فرض أجندة سياسية معينة على لبنان".

شيء ما، يجرى تحضيره للمنطقة، وهو شيء خطير بالتأكيد، شيء يمكنه أن يبرر لماذا كل هذه التحذيرات لرعايا بعض الدول؟.