نزيف الأدمغة

زكريا شاهين

الحديث عن هجرة العقول العربية حديث طويل.. وطويل جدا، وهو حديث متكرر لطالما بحث في الأسباب والاحتياجات ونظّر للحلول، لكنه لم ينتقل في يوم من الأيام إلى مرحلة التطبيق العملي بالرغم من انه كان دائما وبحسب ما نسمع ونقرأ، يدور على أعلى المستويات.

قبل أيام، كان حديث هجرة العقول العربية ضيفا على مقر الجامعة العربية بحضور الوزراء العرب المعنيون بشؤون الهجرة، والذين عكفوا على بحث انعكاسات هجرة العمالة الفنية المدربة والعقول العربية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى الوطن العربي.

على مدى يومين قيل انه سيتم إجراء تقييم عام لدوافع وانعكاسات ظاهرة الهجرة وأوضاع المهاجرين العرب ووضع استراتيجية عربية لمعالجة قضايا الهجرة والمهاجرين وتعظيم العوائد الايجابية لظاهرة هجرة العمالة المدربة والكفاءات العربية إلى الخارج ودعم المجتمعات العربية المقيمة في الخارج والمحافظة على حقوقها وتنمية دورها في الدفاع عن الحقوق والمصالح العربية الكبرى والتفاعل الايجابي مع المجتمعات الأجنبية وطرق الاستفادة من المهجرين العرب فى دعم التنمية العربية ومشروعات التكامل الاقتصادي، أليس هذا كلاما جميلا؟.

يقول عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، إن أعداد المهاجرين العرب في الخارج وصلت إلى 35 مليون مهاجر يمثلون 12 بالمائة من سكان الوطن العربي، داعيا إلى إنشاء مجلس وزاري للوزراء العرب المعنيين بشؤون الهجرة والمغتربين، والى إيجاد ملف خاص بالمغتربين العرب لعرضه على القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد في الكويت بداية العام المقبل، كذلك فقد دعا المدير العام لمنظمة العمل العربية إلى ما أسماه بتعريب الهجرة وجعلها عربية - عربية، والعمل على توفير مقومات نجاحها من خلال الارتقاء بمستوى القوى العاملة العربية فنيا وعمليا ومهنيا لتصبح قادرة على منافسة العمالة الأجنبية المستقدمة للعمل في أسواق العمل العربية.

هجرة العقول العربية إلى الخارج، هي ظاهرة تشكل هاجساً يحتاج إلى تأمل وحلول، لم تفلح في وضعها وتنفيذها عديد الاجتماعات التي تعقد منذ أكثر من نصف قرن مضى، والتقارير الرسمية تقول، إن تلك الهجرة التي تكاد لا تتوقف تتسبب في خسائر مالية تتجاوز 200 مليار دولار.

قبل هذا الاجتماع، كانت هناك اجتماعات مشابهة، فقد انعقد في القاهرة مؤخراً مؤتمرا لمناقشة هذه الظاهرة الخطيرة، توصل خلاله المتحاورون إلى مجموعة من الأسباب التي تقف وراء هذه الهجرة وعكفوا على محاولة إيجاد الحلول الناجعة لتجاوز سلبياتها.

وتوصل المؤتمرون إلى أن هذه الهجرة شملت كوادر متخصصة في تخصصات حرجة ودقيقة، والى أن استفادة الدول العربية من هذه الهجرة ضعيفة للغاية مقارنة باستفادة إسرائيل من مثل هذه الهجرات، مؤكدين على ضرورة التصدي بكل الوسائل لوقف هذا النزيف الذي يلحق الضرر بالتطور الاقتصادي القومي والتركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية.

لكن الأهم من ذلك، يجب أن يتركز الاهتمام على نوعية العقول المهاجرة، وعلى الأسباب التي تدفعها إلى الهجرة، خاصة وأن من بينها تخصصات استراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالإشعاع والهندسة الالكترونية والميكرو-الكترونية، والهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية واقتصاديات السوق والعلاقات الدولية، هناك علماء متخصصون.

الاجتماعات لا تكفى وحدها لحل مشكلة بهذا الحجم، وتعريب الهجرة ليس حلا ، فالعقول المهاجرة المتخصصة، لا تستطيع الحلول مكان العمالة الأجنبية التي تعتني بالخدمات أكثر من أي شيء آخر، والمطلوب إذن، إزالة الأسباب التي تدفع مفكرينا وعلماءنا إلى الهجرة، وهنا تكمن المشكلة!!