مفاوضات مبررة وحوار ممنوع!!

زكريا شاهين

لم يعد ما يسمى بـ"الخط الأخضر" الذي يشكل ما يشبه الحدود "الإسرائيلية" مع الضفة الغربية وقطاع غزة، قائما بعد امتداد الاستيطان إلى أكثر من نصف أراضى الصفة الغربية، ليس على شكل مستوطنات صغيرة أو عشوائية كما يحلو أحيانا "للحكومة الإسرائيلية" تسميتها، وإنما على شكل مدن كبيرة تعج بمئات الآلاف من السكان، بكامل بناهم التحتية، وبكامل مشاريعهم الصناعية والزراعية والتجارية وغيرها، وبكامل البنية المدنية والعسكرية التي تضمها تلك المدن.

وبينما يتم تسريب بعض الفبركات على أنها من مكتب "رئيس الوزراء الإسرائيلي"، المتعلقة بإزالة مستوطنات عشوائية، وتجميد بناء أخرى في الضفة الغربية، مع استثناء القدس من كل ذلك، فأن الاستيطان، يزحف في اتجاه كافة الجغرافيا الفلسطينية، أكان ذلك في القدس وحولها، أو كان في الضفة الغربية، أو كان حتى في مناطق فلسطينية مأهولة بالفلسطينيين الذين لم يتركوا فلسطين منذ عام 1948.

وفي خضم التساؤلات التي تطرح حول جدوى التفاوض في ظل تفاقم الاستيطان، "هذا عدا عن الجدار الفاصل الذي التهم القرى الفلسطينية، وقسم أراضيها، وحاصر المدن وأهمها القدس"، يجتهد البعض بالقول، إن اليمين "الإسرائيلي"، يسارع في عملية الاستيطان، تزامنا مع المفاوضات "الإسرائيلية" - الفلسطينية، وذلك لفرض أمر واقع على الأرض، لا عودة عنه، خاصة في ما يتعلق منه بمدينة القدس.

وتقول الوقائع، إن اليمين "الإسرائيلي" المذكور، ما كان ليستطيع تنفيذ مشاريعه الاستيطانية دون مباركة، ليس "حكومة إسرائيل" وحسب، وإنما الإدارة الأمريكية أيضا.

ويعلم الفلسطينيون أن الاستيطان لا يميز مطلقا بين القدس العربية والضفة الغربية إلا من حيث الحاجة إلى مادة استهلاكية يلوكها الخارج مسميا إياها "حسن نوايا إسرائيل"، فيما أن التقارير التي تلاحق هذه المسالة، تقول أن عدد المستوطنين في القدس الشرقية يماثل، إن لم يزد عن عددهم في الضفة الغربية، كما أن تكثيف النشاطات الاستيطانية في القدس يقابله توسع استيطاني ومستوطنات توصف بالعشوائية تنتشر في أرجاء الضفة الغربية.

إن الاستيطان لا يتمدد إلا بالدعم الحكومي، والحكومة "الإسرائيلية" تعلن عن مخطط لبناء ألف وحدة سكنية في مستوطنتي جبل أبو غنيم وما يسمى "بسغات زئيف" اللتين تقعان شمالي القدس وهما مقامتان على أراضي بيت حنينا "إحدى ضواحي القدس" المصادرة بقرار "اسرائيلي".

والمفارقة هنا، أن التقرير الإعلامي الذي جاء متزامنا مع البدء ببناء آلاف الوحدات السكنية تلك، جاء فيه إن السلطات "الحكومية الإسرائيلية" تعترف بأنها تبني الوحدات السكنية الاستيطانية في كل أرجاء القدس العربية وأن البناء في هذه المدينة لا يتطلب إذنا أو موافقة من جانب "رئيس الوزراء الإسرائيلي"، لأن الأراضي المصادرة من المواطنين العرب قد ضمت قبل أربعين عاما وبقرار "إسرائيلي" إلى حدود بلدية القدس التي تعتبرها "السلطات الإسرائيلية" عاصمة "إسرائيل" حتى لو لم يعترف العالم كله بهذه الصفة للمدينة المقدسة، وأنه لا يوجد أي "زعيم إسرائيلي"، يستطيع إلغاء هذا القرار.

إن الفرصة الآن، مهيأة تماما لاستكمال تهويد القدس العربية وتغيير طابعها وإحكام الطوق الاستيطاني حولها من جميع الجهات، بما في ذلك تغيير الملامح العربية والإسلامية للمدينة، وتهجير وطرد العديد من سكانها من الأحياء التي يسكنونها داخل البلدة القديمة، ومنع أي بناء فيها، حتى لو كان بغرض الصيانة.

لم يعد بالإمكان، فهم عقلية المفاوض الفلسطيني وعلى ماذا يضع رهانه، تماما كما لم يعد بالإمكان فهم كيف أن الحوار مع القتلة الصهاينة مبرر، فيما أن الحوار الفلسطيني - الفلسطيني ممنوع.