الحروب الخفية وغير التقليدية
زكريا شاهين
ماذا لو ثبت أن الانقطاع في شبكة المعلومات الذي حدث الشهر الماضي كان بفعل فاعل؟، حتى الآن، مازالت نظرية أن سفينة أتلفت الخطوط البحرية التي تتنقل من خلالها الشبكة، هي النظرية المطروحة، لكن المنطق، لا يقبل القول أن هذه السفينة استطاعت بشكل متوال، تعطيل خمسة خطوط، متباعدة المسافات، في وقت لا يتيح لتلك السفينة الاصطدام، لتعذر وصولها إلى هذه الخطوط في تلك المدة الزمنية.
بعد أسبوع من هذا الحدث، أسقطت الولايات المتحدة قمرا اصطناعيا تقول انه خرج عن السيطرة، وأن إسقاطه كان ضروريا لأنه يحمل 450 كغم من المواد السامة، تشكل تهديدا للمدنيين في المنطقة التي يمكن أن يسقط فيها فيما لو لم يتم إسقاطه قبل حدوث ذلك، فهل هناك ارتباط بين هذا الحدث وذاك؟.
إذن، ومن خلال المتابعة للصراعات الخفية بين الدول الكبرى، يمكن القول أن هنالك حروبا تستعر خارج إطار الحروب التقليدية، مستخدمة أدواتا أخرى، وعلى رأسها السيطرة أو تخريب المعلومات، حيث أن هذه الحرب، لم تعد تخاض من خلال الفيروسات وبرامج التجسس وغيرها وإنما أصبحت تأخذ أشكالا خفية أخرى تمكنها من شل قدرة العدو بقطع اتصالاته وتدمير وسائلها، بعد أن أصبح الاعتماد على الاتصالات، عنصرا هاما في الحروب، التي تتصل بالبرامج العسكرية وميادين القتال.
في حالة انقطاع شبكة المعلومات، والأخرى المتعلقة بتدمير القمر الاصطناعي، ثمة شكوك تطال الأهداف المعلنة، من حيث أنها ليست غير مقنعة وحسب، وإنما تتعارض مع المنطق بشكل علمي.
أواخر الشهر الماضي أعلنت إحدى الشركات المالكة لخطوط نقل البيانات عن انقطاع مفاجئ لخطها البحري الرابط بين جنوب شرق آسيا وأوروبا مرورا بالخليج العربي ومصر مما أثر وبصورة رئيسية على خدمات الشبكة في العديد من الدول خاصة الهند والإمارات ومصر، وفى حينها، قيل إن سبب الانقطاع، هو أن إحدى السفن قد تسببت في الحادث بفعل مرساتها حين كانت في قاع البحر، بعد عدة ساعات، أعلن عن انقطاع ثان ليتبعه بعد أيام انقطاع ثالث ورابع وخامس، مما عزز الشكوك بعدم صدقية نظرية السفينة ومرساتها.
في الحالة الثانية، احتدم الجدل الذي يمكن أن يؤسس إلى سباق تسلح جديد، ويعيد فتح ملف ما يعرف بـ"حرب النجوم"، أي التنافس في مجال تطوير تكنولوجيا أسلحة الفضاء، حين قامت الولايات المتحدة بتدمير قمر من أقمارها الاصطناعية التجسسية، قالت انه خرج عن مداره بصاروخ أطلق من سفينة حربية أميركية، في عملية وصفتها وزارة الدفاع "البنتاغون" بأنها غير مسبوقة.
ويعيد هذا الانجاز سباق التسلح في هذا الميدان "الذي سمى تبعاً لفيلم الخيال العلمي الذي أنتجته شركة "فوكس للقرن العشرين" في العام 1977" قد بلغ أوجه إبان ما كان يسمى بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان وآخر زعيم للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في السنوات السابقة مباشرة لغياب الاتحاد السوفياتي.
لكن هذه العملية، لم تكن مسبوقة كما تقول الولايات المتحدة، إذ أن الصين، كانت قد أسقطت دون سابق إنذار في كانون الثاني/ يناير 2007 قمرا صناعيا صينيا قديما للرصد الجوى بواسطة صاروخ، وفي حينها، أبدت واشنطن استنكارها لهذه العملية.
انقطاع الخطوط البحرية لشبكة المعلومات، وإسقاط القمر الأمريكي، يتزامنا أيضا مع إصرار أمريكا على نشر درعها الصاروخي في بلدان أوروبا الشرقية، القريبة من كل من روسيا والصين، والجدل الذي يثيره هذا الأمر، خاصة من روسيا، التي ترى أن نشر منظومة الدرع الصاروخي هو تهديد لأمنها، مما يسمح لها بالرد على ذلك بكافة الوسائل، بما في ذلك تدمير تلك الصواريخ في بلدان معينة.
مهما يكن الأمر في الحالتين، فإن التبريرات التي تحمل حسن النوايا غير مقنعة أمام الوقائع الميدانية، بينما يمكن التأكيد الآن، إن ما حدث، يخضع لاحتمالات القول بان حروبا غير تقليدية، تدور في الخفاء بتغطية مخادعة.