حروب الوكالة في الجوار الأمريكي
زكريا شاهين
بالرغم من اعتزاله، يكتب الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو، "طبول الحرب تُقرع، كنتيجة حتمية لمخطط الإبادة الجماعية الذي أطلقته إمبراطورية اليانكي، الولايات المتحدة"، فيما ترتفع حدة التوتر الإقليمي في الجوار الأمريكي "أمريكا اللاتينية"، حيث ينفّذ الرئيس الإكوادوري رافييل كوريا تهديداته ويرسل جنوده ودباباته إلى الحدود الشمالية مع كولومبيا، رداً على ما قال إنها "الانتهاك المتعمد لسيادة بلاده" من قبل القوات الكولومبية التي شنت غارة على أراضيه، واغتالت الرجل الثاني في القـوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك" راوول رييس.
الرئيس الأكوادوري لم يكن وحده الذي قام بهذا الإجراء، ففي كاراكاس، اتهم وزير الخارجية نيكولاس مادورو، واشنطن بأنها حولت كولومبيا إلى قاعدة لشن الحرب على المنطقة، وان ما حصل في الإكوادور دليل عملي على ذلك.
يقول الرئيس الإكوادوري "كوريا"، بعد أن وضع جيشه في حالة من الاستنفار القصوى "إن ما جرى انتهاك متعمد لسيادتنا.. ولا مبرر له"، معلناً طرد السفير الكولومبي واستدعاء سفيره من بوغوتا، وتعزيز تواجد بلاده العسكري على الحدود مع كولومبيا، وواصفا العملية الكولومبية بالـ"مجزرة"، متهماً الرئيس الكولومبي "أوريبي" بأنه كذب عندما قال له إن العملية جرت في إطار "عملية مطاردة حامية".
الرئيس الفنزويلي، يشبه النظام فى كولومبيا بأنه مشابه لـ"إسرائيل" من حيث التبعية والمهمات التي تسند إليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مستنفرا هو أيضا، الجيش الفنزويلي، وموجها إياه نحو الحدود مع كولومبيا.
ولا يجد الرئيس الكولومبي أمامه سوى استخدام الأساليب الأمريكية في كيل الاتهام لخصومه، حين يتهمهم بمحاولة تصنيع أسلحة دمار شامل، حيث يقول في السياق: "إن القوات الثورية المسلحة الكولومبية المتمردة "فارك" "قد تكون!!! في صدد التفاوض لشراء مواد مشعة تستخدم في صنع أسلحة قذرة للتدمير والإرهاب".
ويسوق هذا الاتهام عالميا، حين يكرره أمام مؤتمر نزع الأسلحة للأمم المتحدة الذي انعقد في جنيف مشيرا إلى النتائج الأولية لتحقيق أمني شمل حواسيب راوول رييس المسؤول الثاني في "فارك" الذي قتل في عملية مداهمة في الأراضي الأكوادورية.
وسواء أكانت هذه المعلومات صحيحة أم مفبركة، فإنها تصلح للاستخدام أمريكيا، تماما كما حدث مع أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، التي ورغم ثبوت عدم صحة المعلومات عنها، حتى قبل شن العدوان الأمريكي وغزو العراق، حين كانت تقارير المفتشون الدوليون واضحة في هذه المسالة، ومع ذلك، فأن تلك المبررات، استخدمت لغزو العراق.
وأيضا، وبنفس التوجه الأمريكي، يعلن الرئيس الكولومبي، أنه سيلاحق نظيره الفنزويلي هوغو تشافيز أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة "تمويل عملية إبادة"، وهو ما كان أعلنه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضد الرئيس العراقي صدام حسين.
الإدارة الأمريكية تحاول حصر المسألة بين كولومبيا والإكوادور، لكن الحلفاء اللاتينيون، يرون أنها مشكلة جماعية، متشابكة الخطوط، ربما تشكل بداية شن الحروب على بعض قوى الممانعة اللاتينية، تماما كما يحدث في منطقة ما يسمى "الشرق الأوسط".
يستحضر الرئيس الإكوادوري، أوضاعا مشابهة فيقول: "حتى في اشد اللحظات دقة مع متمردي أميركا الوسطى في نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا أو مع متمردي البيرو والبرازيل والأرجنتين أو في الاوروغواي، لم يحدث أن قامت حكومة بتوسيع الأمر إلى النطاق الإقليمي أو تجرأت على قصف بلد صديق".
في المحصلة، يبدو أن الأزمة أكبر بكثير من عمل عارض، إذ تؤشر على ترتيبات أمريكية قادمة، ولذلك تجرأت دولة مثل كولومبيا المدعومة أمريكيا على القيام بعمل عسكري، لن يكون محدود التأثير، فاتحة القارة اللاتينية أمام حروب بالوكالة لم تلبث أن تتسع.