ميزانيات أمريكا ومداخيل النفط العربي
زكريا شاهين
ارتفاع في العجز المالي الأمريكي، اقتراض غير مسبوق.. زيادة في المصاريف الخفية للحرب على كل من العراق وأفغانستان.
ورطة كبرى للإدارة الأمريكية ولكن، الحل بسيط جدا، ففي حين تواجه المؤسسات المالية الأمريكية مشكلة، يكون عليها أن تتحول إلى صناديق الثروة السيادية في "الشرق الأوسط" لإعادة الرسملة، من أجل الإنقاذ، بمعنى، إن الإيداعات المالية لدول النفط في "منطقة الشرق الأوسط"، وهى دول عربية بالطبع، ستدخل حسابات الميزانية الأمريكية لإنقاذ البلاد من الإفلاس، وبمعنى آخر، فكما سددت الدول النفطية فاتورة ما سمى بتحرير الكويت، فأن عليها أن تسدد فاتورة تكاليف الحرب على أفغانستان والعراق.
ليست هذه الآراء من نتاج الخيال، فهي تأتي من خلال أقوال للاقتصادي جوزيف ستيغليتز الفائز بجائزة نوبل، والذي أشار إلى أن حرب العراق أسهمت في تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وإنها تؤخر الانتعاش الاقتصادي.
ففي كتاب جديد "حرب الثلاثة تريليونات دولار" يكتب ستيغليتز وشريكته ليندا بيلمز، في وقت ما، كانت الحرب المستمرة منذ حوالي خمس سنوات، توصف بأنها تسدد تكلفتها ذاتيا من الناحية الفعلية، من خلال زيادة صادرات النفط العراقي، لكن الحرب كلفت الخزانة الأمريكية 845 مليار دولار بصورة مباشرة.
يقول الاقتصاديون والمحللون إن الحروب الأمريكية تسرع دوران عجلة الاقتصاد عادة، وهي تعطي دفعة جدية لإنعاش الاقتصاد، وتخلق فرصاً جديدة تحد من البطالة، عندما ينتعش العمل في الشركات الكبرى المصنعة للسلاح، وشركات صناعة الطيران، والشركات المختصة بالإمداد اللوجستي وغير ذلك، لكن ستيغليتز يقول: "ساد الاعتقاد بأن الحروب جيدة للاقتصاد.. لم يعد الاقتصاديون يعتقدون بذلك فعليا".
يجادل المؤلفان بأن التكاليف الحقيقية تبلغ ثلاثة تريليونات دولار على الأقل بموجب ما يقولان إنه تقدير متحفظ جداً، وإنها يمكن أن تتجاوز تكلفة الحرب العالمية الثانية التي قالا إنها تبلغ خمسة تريليونات دولار بعد تعديلها على أساس التضخم، وتستثني التكاليف المباشرة الفائدة على الديون التي جرى جمعها لتمويل الحرب وتكاليف الرعاية الصحية للمحاربين العائدين للوطن وإحلال العتاد المدمر وتراجع القدرة التشغيلية بسبب الحرب.
وفوق كل ذلك، فهناك تكاليف غير محسوبة في الميزانية مثل أسعار النفط المتزايدة والتكاليف الاجتماعية وتلك الخاصة بالاقتصاد الكلى التي يفصلانها.
في سياق حديثهما الاقتصادي، لا يكشف المؤلفان عن الآثار والتداعيات الاجتماعية للحروب الأمريكية، لكنهما يشيران في هذا المجال مثلاً، إلى الأمراض التي أصابت عشرات الآلاف من الأمريكيين، جنودا وإداريين، وليست بالضرورة أمراضا ميدانية، إذ يشيران إلى ما قالا أنه كبح من جانب وزارة الدفاع "البنتاغون" للتقارير عن الخسائر البشرية، ذلك إن الرقم الرسمي للبنتاغون عن حوالي 30 ألف مصاب في العمليات لا يتضمن 40 ألفا آخرين من أفراد الخدمة الذين طلبوا رعاية طبية لإصابات غير قتالية أو مرض، وكل هذه الأرقام، تحتاج إلى أموال كبيرة لتغطية مصاريفها.
بحسب المؤلفان: "كنا نعيش على أموال مقترضة ووقت مقترض، وفي نهاية الأمر لا بد أن يأتي يوم للحساب، وقد جاء الآن، الحرب دفعت أمريكا إلى اقتراض المزيد من الأموال، لم تكن هناك مصادر للأموال السائلة في الولايات المتحدة، مصادر الأموال السائلة كانت في "الشرق الأوسط"، وبالتالي، ففي حين تواجه المؤسسات المالية الأمريكية مشكلة، يكون عليها أن تتحول إلى صناديق الثروة السيادية في "الشرق الأوسط" لإعادة الرسملة.. من أجل الإنقاذ".