العراق ومحاكمة مجرمي الحرب
زكريا شاهين
على طريقتها التي لا تتجاوز مسالة التشخيص، تتذكر المنظمات الدولية العراق بمناسبة مرور خمس سنوات على غزوه ومن ثم احتلاله، فتصدر التقارير، وتضع الإحصائيات، وتقترح حلول لا تحدث غالباً، لكنها مع ذلك، لا تخفى من خلال تقاريرها وإحصائياتها إدانتها للغزو، وإن كان ذلك يأتي بطريقة غير مباشرة.
بالطبع، لا تملك هذه المنظمات قوة منع ما يحدث، حتى تلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة، المفترض أنها ضمير العالم ومركز التشريع فيه، وقوة فرض القوانين التي أنشئت من اجلها هذه المنظمة قبل أن تتحول إلى مؤسسة تنفيذية لسياسة الكبار، تلك القوانين التي تتحدث صراحة عن أن الاحتلال جريمة، وان المقاومة حق مشروع، وأيضا، قبل أن يصبح الاحتلال إعماراً وديمقراطية، وقبل أن تصبح المقاومة إرهاباً بحسب المفهوم الدولي الجديد، في زمن القطب الواحد وتجليات العولمة.
في العام الخامس لغزو العراق، تكتشف هذه المنظمات، أن الوضع في ذلك البلد، هو الأسوأ في العالم.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير أعدته خصيصا بمناسبة حلول الذكرى السنوية الخامسة للغزو الأمريكي للعراق إن الوضع الإنساني في أجزاء كثيرة من البلاد هو الأسوأ في العالم، وأن الملايين من العراقيين ما زالوا يفتقرون إلى المياه النظيفة وأبسط الخدمات الطبية، حيث تخلو المستشفيات من الأسرة والأدوية والكوادر الطبية، كما تضطر بعض الأسر إلى إنفاق ثلث دخولها الشهرية "البالغة 150 دولارا بالمعدل" على شراء مياه الشرب النظيفة.
في الإحصائيات، وبالرغم من أن الأرقام التي تنشر في مثل هكذا تقارير، تستند إلى مصادر رسمية مشكوك في أمرها عادة، إلا أن هذه الأرقام، تبعث على ضرورة التذكر دائما أن الاحتلال، هو السبب الرئيسي في صناعة هذه الأرقام.
يضيف التقرير، أن "المسؤولين العراقيين" يعتقدون!! أن أكثر من 2200 طبيب وممرضة قتلوا و250 اختطفوا منذ عام 2003، وأن 20 ألفاً من الكوادر الطبية "من مجموع 34 ألفاً" قد اضطروا إلى مغادرة البلاد منذ الغزو الأمريكي، كذلك فأن عشرات الآلاف من العراقيين قد اختفوا منذ بدء الحرب عام 2003، وأن "العديد من ضحايا العنف الحالي لم يجر التعرف عليهم لأن نسبة قليلة جدا من الجثث التي يعثر عليها تسلم إلى السلطات الطبية القضائية".
يستغرب التقرير تلك الأخبار التي تتحدث عن أن الوضع الأمني قد تحسن في العراق منذ بدء الحملة الأمنية الأخيرة في العام الماضي، ويشير على لسان رئيسة عمليات "الصليب الأحمر في الشرق الأوسط وأفريقيا" إلى "أن العراقيين الذين اضطروا إلى هجر مساكنهم بسبب العنف ـ بمن فيهم النساء والأطفال والكهول والمعوقين ـ ما زالوا في وضع صعب للغاية، وأن أحاديث التحسن للوضع الأمني، "يجب أن لا تحجب عن أعيننا حقيقة أن الملايين من العراقيين قد تركوا دون عون بالمرة".
عشرات الآلاف من العراقيين ـ غالبيتهم العظمى من الرجال ـ يقبعون في السجون، ومئات الآلاف وربما يقترب العدد من المليون، قد فقدوا حياتهم، أما العراق بمجمله، ففي ظل الديمقراطية الأمريكية ومشاريع الإعمار وأموال "الدول المانحة" ومداخيل النفط، يكفيه أن ننظر إلى حجم الدمار الهائل الذي أصابه بسبب الغزو والاحتلال.
منظمة العفو الدولية تتناول أوضاع حقوق الإنسان في العراق بعد مرور خمس سنوات على الغزو الأمريكي لتصفها بـ"الكارثي"، لأن العراق أصبح واحداً من أخطر دول العالم بحسب تقريرها، وإن أربعة من كل عشرة عراقيين لا يتقاضون أكثر من دولار واحد في اليوم "وهو المعيار الذي تعتمده الأمم المتحدة لقياس الفقر المدقع".
وتعترف المنظمة قائلة "فحتى عندما تواجه السلطات العراقية بالأدلة الدامغة لوقوع التعذيب في سجونها لا تحاسب المذنبين، أما الولايات المتحدة وحلفاؤها، فلا يضغطون على الحكومة العراقية لإجبارها على احترام حقوق الإنسان".
ويضاف إلى هذا، الملايين المهاجرة داخل الوطن وخارجه، في نسبة هي الأكبر في العالم منذ تشريد الصهاينة للفلسطينيين.
أرقام لا تثير الدهشة بقدر ما تملي ضرورة العمل على محاكمة كل من تسبب في هذه الحالة، باعتبار أن كل الذين ساهموا في إيصال العراق إلى هذا الوضع، يتمتعون بمواصفات مجرمي الحرب.