حيوانات غزة وضمير العالم
زكريا شاهين
هي حكاية ليست من الخيال، ولا هي مستوحاة من رائعة كليلة ودمنة لابن المقفع، تقول هذه الحكاية:
لم يستمع الضمير العالمي إلى صوت الملايين من البشر الذين خرجوا إلى الشوارع لفضح جرائم حرب الإبادة "الاسرائيلية" ضد الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة، فكان أن لجأ الـ"غزيون" إلى تظاهرة من نوع آخر، حين أطلقوا تظاهرة فريدة من نوعها في مدينة غزة ضمت العشرات من الحيوانات "الأحصنة والإبل والماشية والأغنام والحمير" وتوقفت أمام مقر الأمم المتحدة فى مدينة غزة وهى ترفع شعار "نداء الحيوان من أجل حقوق الإنسان" للفت أنظار العالم الذي يدعى الحضارة ويتشدق بحقوق الإنسان، ويطلق التقارير السنوية الخاصة بهذا الجانب، ليقيّم وعلى مواصفاته الخاصة، من هو الذي احترم حقوق الإنسان ومن فرّط بها، وفى نفس الوقت، هو غارق حتى "الثمالة" في جرائم القتل على مساحات العالم جميعها، وليس في فلسطين وأفغانستان والعراق وحسب، ولا في سجن غوانتانامو وأبو غريب، وإنما في السجون السرية المنتشرة في دول تقيمها التقارير بأنها من رواد هذه الحقوق، علّ هذا العالم "المتحضر"، يلقى نظرة إلى ما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة جراء الحصار الاقتصادي والسياسي، وجراء القتل الممنهج، ليس من خلال الآلة العسكرية وحسب أيضا، بل من خلال التجويع ومنع المواد الغذائية والدواء والكهرباء والماء واغتيال الزيتون وتجريف المزارع ودفن النفايات النووية وغير ذلك من أدوات القتل المكشوفة والمستترة، ليتوج كل ذلك بمجزرة جباليا التي ذهب ضحيتها 130 شهيداً ثلثهم من الأطفال.
لم يعد للإنسان في منطقتنا صوت يسمع، فقد استبيحت دماؤنا، وأصبحت ساحاتنا ملاعبا للغزاة والطامعين، وكان نفطنا وبالا علينا، أما بعض جيوشنا، فمهمتها حراسة حدود عدونا، حتى لا يدخلها فدائي، يمارس "الإرهاب" حين يدافع عن وطنه!.
اللافتات التي حملتها الحيوانات الـ"متظاهرة"، كتب عليها باللغات المختلفة: "أين ضمير العالم" و"أنقذوا أطفال غزة" و"غزة تموت أوقفوا الحصار" و"هل منظمة الأمم المتحدة كذبة عالمية"، كما رفع حصان غزى أصيل عبارة: "على الأمم المتحدة وقف الحصار".
بلغة الفجيعة والألم، وظلم الأقربون قبل ظلم العالم، يتحدث رئيس نادي "صناع الحياة" في غزة، وهو ناد يحمل في اسمه دلالة الـ"فينيق" الكنعاني، يحمل فى اسمه إصرار الفلسطيني على الحياة رغم كل ما يحدث، حياة الكرامة والعزة والوقوف في وجه الظلم، يقول خلال مؤتمر صحافي أمام مقر الأمم المتحدة في غزة: "إن الفعالية "التظاهرة الحيوانية "نابعة من الانفجار الداخلي في الإنسان الفلسطيني بسبب الوضع الإنساني المزري في قطاع غزة، الذي يتزامن ليس فحسب مع صمت العالم بل انحيازه للباطل على الحق متسائلاً عن دور مؤسسات حقوق الإنسان في العالم، إزاء ما يجرى في غزة، موضحاً انه في حال لم تجد المسيرات البشرية في تحريك العالم للدفاع عن الشعب الفلسطيني وأطفاله ونسائه وشيوخه، فإن الكلمة الآن بقيت للحيوانات لعلها تحرك العالم بعض الشيء"، وانه "إذا لم تصل رسالة الماشية والإبل فإن قطاع غزة سيلجأ إلى لغة الإشارة علّ العالم والمجتمع الدولي يهب لإنقاذ الأطفال".
يخاطب العالم بالقول: "نعلم أن الحيوانات في العالم تعانى من التخمة، فيما أطفال غزة يعانون من فقر الدم والجوع ونقص الحليب، وينام كثير منهم بلا عشاء، فأنتم تهتمون بالكلاب أكثر منا "ربما يقصد أكثر مما تهتمون بنا" وهذا تناقض وخروج عن القيم الإنسانية التي صنعتموها والمعاهدات التي وقعتم عليها ولا تستطيعون تطبيقها".
الرسالة التي وجهت إلى أمين عام الأمم المتحدة وإن هي طالبت بـ"ضرورة الحفاظ على حقوق الإنسان الفلسطيني والوقوف في وجه العدوان "الإسرائيلي" ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة والذي راح ضحيته العشرات من المرضى جراء نقص العلاج وحرمانهم من السفر للعلاج" إلا أن أصحابها يتساءلون: "هل ينتظر الأمين العام موت 1200 مريض فلسطيني يمنعون من السفر كي يرفع الحصار عن غزة؟"، إضافة إلى أن 85 في المئة من مواطني قطاع غزة تحت خط الفقر و66 في المئة منه يعانون من البطالة، فيما توقف 3900 مصنع عن العمل بشكل كامل بسبب عدم توفر المواد الخام وتعطل 3000 صياد عن أعمالهم بسبب ممارسات الزوارق الحربية الإسرائيلية ضدهم في عرض البحر.