ثوابت السياسة الأمريكية

زكريا شاهين

في البحث عن المفاضلة بين فلسطين وإيران، يختلف أقطاب الإدارة الأمريكية الكبار.

فبينما يقال إن وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس"، ترى ضرورة إحداث اختراق للملف الفلسطيني – "الإسرائيلي"، يرى نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني"، الذي يقوم الآن بجولة في المنطقة العربية إن الأمر يجب أن يكون مختلفا.

فزيارة "تشيني" تحمل رسالتين مهمتين: الأولى زج الدول العربية المسماة بدول الاعتدال في الملف اللبناني من خلال الاستعداد لإرسال قوات عربية إلى هناك، والثانية، إعطاء الأفضلية للملف النووي الإيراني، باعتبار أن الملف الفلسطيني متروك للتعامل الصهيوني، أما الثانية، فهي إعداد الحلفاء العرب لأسوأ الاحتمالات ومنها احتمال توجيه ضربة إلى إيران، تتطلب مساعدة من قبل بعض الدول في المنطقة على طريقة المساعدات التي قدمت لغزو العراق.

تتحدث الأنباء، عن أن جولة وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس" المرتقبة تهدف إلى الحصول على إجابات لبعض القضايا والمسائل التي ستطرحها على الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، حيث توصف هذه الجولة بأنها جولة وضع النقاط على الحروف، علما أن جولات "رايس" السابقة، وصفت على لسانها بأنها "جولات استطلاعية!!".

لكن نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" يدفع باتجاه تجميد العملية السلمية إلى ما بعد ولاية الرئيس بوش والالتفات والتفرغ للمسألة الإيرانية، إذ ينقل موقع "المنار المقدسي"، نقلا عن ما يصفهم بـ"مقربين من تشيني" أن القيادات الخليجية تفضل معالجة المسألة الإيرانية، والتصدي لطهران على حل الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، هذا الموقف يدعمه ويؤيده وزير الدفاع "الإسرائيلي" "ايهود باراك"، لكن "رايس" تختلف مع "تشيني" في هذا الطرح، إذ ترى ضرورة منح فرصة جديدة لعملية التفاوض بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين".

تسريع البحث في الملفات الساخنة حاجة ملحة للرئيس الأمريكي قبل رحيله، خاصة بعد تراكم الفشل السياسي لسياسته في كل من العراق وأفغانستان، إضافة إلى الفضائح التي ترافقت مع وجوده في البيت الأبيض على مدى الولايتين، وإحساسه بأن إدارته فقدت العديد من حلفائها، وأن التململ من سياسته، أصبح جلياً يمكن تلمسه من خلال رفض دول "الناتو" للزج بالمزيد من جنودها في أفغانستان، وانسحاب دول أخرى من مشاركته احتلال العراق كما فعلت كل من ايطاليا واسبانيا، بينما بقية الحلفاء الذين تبقوا معه، ليسوا سوى بيادق صغيرة لها مصلحة بالتقرب من الولايات المتحدة الأمريكية، ومنهم على وجه الخصوص، دول أوربا الشرقية.

في الملف الفلسطيني، تكشف الوزيرة الأمريكية "رايس"، بأنها تلقت مؤخراً اتصالات وتسلمت رسائل من مسؤولين عرب في المنطقة عكست الخوف والقلق الذي يخيم على "الجهات المعتدلة الراغبة في السلام في المنطقة"، وتطالب بتدخل أمريكي يفرض على الجانبين "الإسرائيلي" والفلسطيني حلولاً مهما كانت الأسماء التي ستحملها لضمان الاستقرار وعدم تدهور الأوضاع.

لكن "تشيني" بدوره، يقول أن دولاً عربية أخرى قام بزيارتها مؤخراً، ترى أن الخطر الإيراني، هو الذي يحتاج إلى معالجة سريعة وبأية وسيلة ممكنة.

ليس بعيداً عن هذه المواقف، يبدو المرشحون في الانتخابات الأولية الرئاسية الأمريكية، وكأنما يعكسون نفس التوجهات، ويعانون من نفس الانقسامات، لكن القاسم المشترك بين الجميع، يتعلق بإبداء الولاء "لإسرائيل".

فـ"كلينتون"، لا تساوم على "أمن إسرائيل"، و"أوباما" يتصل بـ"أولمرت" معزياً بقتلى عملية القدس، "ماكين" وقبل زيارته "لإسرائيل"، وأثناء وجوده في الأردن، ومن هناك، يطلق تصريحاً يؤكد تأييده لبقاء القدس "عاصمة أبدية لإسرائيل" مجدّداً دعمه للحرب في العراق باعتبارها "عادلة وضرورية".!

في كل الأحوال، لا جديد على السياسة الأمريكية، وكذلك لا يمكن المراهنة على التغيير حتى بعد رحيل بوش.