من يحاكم بان كي مون؟

السيد زهره - كاتب وصحافي من البحرين

حين يرتكب السكرتير العام للأمم المتحدة جريمة بحق ميثاق المنظمة الدولية وبحق القانون الدولي، وبحق القيم والمبادئ العالمية التي من المفروض أن الأمم المتحدة تدافع عنها وتحميها، من الذي من المفروض أن يحاكمه؟.. وكيف؟

الذي يجعل هذا التساؤل مطروحاً اليوم بإلحاح هو ذلك الموقف الذي اتخذه "بان كي مون" السكرتير العام للأمم المتحدة من الجرائم النازية التي ارتكبها العدو الصهيوني في غزة، والذي ينطبق عليه كل ما ذكرناه.

"بان كي مون" انتظر أياماً كان العدو فيها قد ذبح عشرات الفلسطينيين، أغلبهم من الرضع والأطفال والنساء، قبل أن يفتح فمه ليعلّق على هذه المجازر، وحين نطق، نطق كفراً كما يقال.

انظر ماذا قال، قال: "أدين الهجمات الصاروخية الفلسطينية، وأدعو إلى الوقف الفوري لكل الأعمال الإرهابية التي لا تخدم أي هدف، وتعرّض حياة المدنيين للخطر"، وأكد أن "من حق "إسرائيل" "الدفاع عن نفسها"!!، وانتقد فقط "استخدام القوة المفرط وغير المتكافئ"!.

ما الذي يعنيه هذا الكلام؟

يعني أولاً، أن "بان كي مون" يعتبر أن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني هي "إرهاب"، هذا على الرغم من أن القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة تكفل للشعوب حق مقاومة الاحتلال بكل الأشكال والسبل بما في ذلك حق المقاومة المسلحة. ويعني ثانياً، أنه يعتبر أن كل جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبها العدو في غزة ليست جرائم أصلاً، وإنما هي مجرد "استخدام مفرط" للقوة لا أكثر!، هذا على الرغم من أن كل المنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة قد اعتبرت جرائم العدو، جرائم حرب وإبادة، بالمعايير التي نص عليها القانون الدولي، ويجب أن ينطبق على مرتكبيها كل ما ينطبق على مجرمي الحرب.

ويعني ثالثاً، أن السكرتير العام للأمم المتحدة يقر بحق "إسرائيل" في أن تحتل الأراضي الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل إن من حقها في تقديره "أن تدافع عن احتلالها" ومن حقها الاستمرار في ارتكاب جرائمها، وإلا فماذا يعني ما قاله من أن "إسرائيل" "من حقها الدفاع عن نفسها"!!

ثم أخيراً، حين يبدأ "بان كي مون" تصريحه بالإدانة الشديدة لما أسماه "الإرهاب الفلسطيني" أولاً، ثم بعد ذلك ينتقد مجرد انتقاد لطيف ما أسماه "الاستخدام المفرط للقوة" من جانب "إسرائيل"، فمعنى هذا أنه بالنسبة إليه فإن حياة ومصلحة "الإسرائيليين"، قوة الاحتلال المجرمة، هي الأولوية الأولى والمطلقة، أما الفلسطينيين الذين تعرضوا لكل هذه المجازر، فإنهم بالنسبة إليه يستحقون هذا، وهم المسؤولون لأنهم يمارسون "الإرهاب".

حين يقول مسؤولون أمريكيون مثلا هذا الكلام الذي قاله بان كي مون، نحن لا نستغرب. فأمريكا في نهاية المطاف شريك للعدو في كل جرائمه، ولسنا نتوقع من المسؤولين الأمريكيين موقفاً عادلاً أو منصفاً أو مراعياً للقوانين والأعراف الدولية، أما حين يقول السكرتير العام للأمم المتحدة هذا الكلام، فإنه مجرم، مجرم ارتكب سلسلة من الجرائم السياسية وفقاً لكل معايير القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ونص وروح مبادئها ورسالتها، والمجرم يجب أن يحاكم.

لسنا نعرف، هل يوجد في قوانين الأمم المتحدة والمبادئ المنظمة لعملها، أي بنود تتعامل مع مثل هذه الحالة أم لا، لكن الذي نعرفه أن الدول العربية يجب أن تحاكمه سياسياً على الأقل، كان من المفروض أن تطلب الدول العربية من الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تحاكم هذا الرجل سياسياً على هذه السلسلة من الجرائم التي ارتكبها، وأن تطلب تصويتا على عزله.

ولأن الدول العربية للأسف لا تفكر في أن تقدم على خطوة كهذه، فعلى الأقل يجب أن تسجل علنا ورسميا إدانتها لجرائمه، وأن تودعها في ملفات الأمم المتحدة.