وقاحة ليست جديدة
السيد زهره - صحافي من البحرين
المتحدث باسم الخارجية الأمريكية دعا الدول العربية إلى التروي قبل أن تقرر المشاركة في قمة دمشق العربية القادمة، أي أنه بصريح العبارة يدعو الدول العربية إلى مقاطعة القمة، وبرر ذلك بالقول: "عندما يفكرون بالمشاركة في اجتماع سوريا من الواضح أنه سيكون من مصلحتهم أن يبقى في ذهنهم الدور الذي قامت به سوريا حتى الآن لمنع العملية الانتخابية في لبنان من المضي قدما".
هذه وقاحة سياسية، وغير هذا، هي تعبير عن سذاجة سياسية، كي لا نقول غباء.
أولاً: المتحدث الأمريكي غاب عن باله عندما قال هذا الكلام أنه يتحدث عن شأن عربي صرف، وليس لأمريكا أي صفة كي تقحم نفسها فيه.
أمريكا ليس لها أي صفة من أي نوع تتيح لها أن تطلب أو حتى أن تنصح الدول العربية بالمشاركة أو عدم المشاركة في القمة، فلا الدول العربية تعيش تحت الوصاية الأمريكية، ولا أحد طلب من أمريكا الرأي أو النصيحة في هذا الشأن العربي.
وثانياً: هو يبرر الدعوة إلى مقاطعة القمة أن هذه هي "مصلحتهم"، أي أن مصلحة الدول العربية هي التي تقتضي ذلك، ومرة أخرى، هل أمريكا هي التي تحدد للدول العربية ما هي مصلحتها في أي شأن؟، وما الذي أعطى للمتحدث الأمريكي كل هذه الثقة كي يحدد هو "المصلحة العربية" وكيف تجب ترجمتها؟.
وثالثاً: هو يعتبر أن ما يقال عن دور سوري في عرقلة انتخابات الرئاسة في لبنان هو مبرر كاف لمقاطعة الدول العربية للقمة! وإذا كان البعض يعتبر أن لسوريا دوراً في عرقلة هذه الانتخابات، فإن الكثيرين بالمقابل يرون أن أمريكا هي المسؤول الأول، وأنها هي التي تلعب الدور الرئيسي في مفاقمة الأزمة اللبنانية، ولديهم مبررات كثيرة لهذا.
وإذن، وبحسب منطق المتحدث الأمريكي نفسه، فإن الدول العربية من باب أولى يجب أن تقاطع أمريكا، وأي اتصالات معها، وأي اجتماعات تكون طرفاً فيها أو تدعو اليها.
إذا كان الأمر هو على هذا النحو، فبماذا نفسر هذه الوقاحة السياسية السافرة التي جسدها تصريح المتحدث الأمريكي؟. كيف تأتى له أن يتحدث بمنتهى الثقة بلغة الوصاية والإملاء هذه؟!.
سببان على الأقل يفسران هذا، سبب يتعلق بالعقلية الاستعمارية لإدارة الرئيس الأمريكي بوش، فهذه كما نعلم إدارة تتصرف في العالم كله بمنطق أنها الوصي على شؤون العالم، وتعطي لنفسها الحق في أن تنتهك سيادة أي دولة وتحاول أن تملي ما تشاء، وسبب آخر يتعلق بنا نحن في الوطن العربي، كما نعلم، هذه الوقاحة السياسية ليست جديدة أبداً.
في مرات كثيرة سابقة، وفي قمم واجتماعات عربية، لم يتورع مسؤولون أمريكيون عن إقحام أنفسهم ومحاولة إملاء ما يجب أن يناقش أو لا يناقش، وإملاء حتى القرارات نفسها، لكن لم نسمع ولا مرة واحدة مسؤولا عربياً يخرج ليقول لهم، هذه وصاية نرفضها، وهذا شأن عربي لا دخل لكم به.
لهذا ليس غريباً أن يعيدوا الكرة تلو الكرة ويحاولوا فرض وصايتهم على القرار العربي في الشؤون العربية، وها هو المتحدث الأمريكي أدلى بهذا التصريح المستفز، والذي يعتبر في جوهره إهانة للدول العربية، فهو يخاطب الدول العربية كما لو كانت غير أهل كي تعرف ما هي مصلحتها وما هو القرار الذي يجب ان تتخذه.
فهل سنسمع أي مسؤول عربي يخرج ليقول للأمريكيين: وصايتكم مرفوضة، وليس لكم حق التدخل بأي شكل في مسألة عربية كهذه؟، الأرجح أننا لن نسمع.